الأحد، 9 مايو 2021

1. تفسير سورة التوبة (2) مدنية (3)

 [بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل] (1)
تفسير سورة التوبة (2)
مدنية (3)
{ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) }


هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال البخاري.


حدثنا [أبو] (4) الوليد، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: آخر آية نزلت: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ } [النساء: 176] وآخر سورة نزلت براءة (5) .


وإنما لا يبسمل (6) في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام، والاقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه وأرضاه، كما قال الترمذي:


حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعد، ومحمد بن جعفر (7) وابن أبي عَدِيّ، وسَهْل بن يوسف قالوا: حدثنا عوف بن أبي جَميلة (8) أخبرني يزيد الفارسي، أخبرني ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم (9) بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ووضعتموها (10) في السبع الطّوّل، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو يُنزل (11) عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيءُ دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذْكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلت (12) عليه الآية فيقول: "ضعوا هذه (13) في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" ، وكانت الأنفال من أول ما نزل (14) بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها (15) وحَسبْتُ أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فوضعتها في السبع الطول (16)
__________
(1) زيادة من ك.
(2) في ك: "براءة".
(3) زيادة من ك.
(4) زيادة من د، ك، والبخاري.
(5) صحح البخاري برقم (4645).
(6) في ك: "لا تبسمل".
(7) في د، ك: "محمد بن أبي جعفر".
(8) في ت: "حملة".
(9) في د: "وقرنتم".
(10) في د: "ووضعتموهما".
(11) في ت: "تنزل".
(12) في ت: "أنزلت".
(13) في ك، أ: "هذه الآية".
(14) في ت، أ: "نزلت".
(15) في ت: "بعضها".
(16) سنن الترمذي برقم (3086). (4/101)


وكذا رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن حبَّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، من طرق أخر، عن عوف الأعرابي، به (1) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج، ثم ذُكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم، فبعث أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، أميرًا على الحج هذه السنة، ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس ببراءة، فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكونه عَصَبَة له، كما سيأتي بيانه.
فقوله: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: هذه براءة، أي: تبرؤ من الله ورسوله { إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }
اختلف المفسرون ها هنا اختلافا كثيرا، فقال قائلون: هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر، فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقَّت فأجله إلى مدته، مهما كان؛ لقوله تعالى: { فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [التوبة:4] ولما سيأتي في الحديث: "ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته". وهذا أحسن الأقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جرير، رحمه الله، ورُوي عن الكلبي ومحمد بن كعب القُرَظِيّ، وغير واحد.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } قال: حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر، يسيحون في الأرض حيثما شاءوا، وأجل أجل من ليس له عهد، انسلاخَ الأشهر الحرم، [من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، فذلك خمسون ليلة، فإذا انسلخ الأشهر الحرم ] (2) أمره بأن يضع السيف فيمن لا عهد له.
وكذا رواه العوفي، عن ابن عباس.
وقال [الضحاك] (3) بعد قوله: فذلك خمسون ليلة: فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد، يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام. وأمر ممن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر، أن يضع فيهم السيف (4) حتى يدخلوا في الإسلام.
وقال أبو معشر المدني: حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من "براءة" فقرأها
__________
(1) المسند (1/57) وسنن أبي داود برقم (786) والنسائي في السنن الكبرى برقم (8007) والمستدرك (2/330).
(2) زيادة من ت، م.
(3) زيادة من ت، م.
(4) من ت: "السيف أيضا". (4/102)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب شرح السنة تأليف إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري،

شرح السنة للبربهاري شرح السنة للإمام البربهاري (329 هـ)     كتاب شرح السنة تأليف إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي بن خل...