الأحد، 9 مايو 2021

2. وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ

 وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)

على الناس، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض، فقرأها عليهم يوم عرفة، أجَّل المشركين عشرين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشرا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، وقال: لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان.
وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } إلى أهل العهد: خزاعة، ومُدْلِج، ومن كان له عهد أو غيرهم. أقبل (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، ثم قال: "إنما يحضر المشركون فيطوفون عُرَاة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك". فأرسل أبا بكر وعليًا، رضي الله عنهما، فطافا بالناس في ذي المجَاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات: عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلَّهم بالقتال إلا أن يؤمنوا.
وهكذا روي عن السدي: وقتادة.


وقال الزهري: كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم.
وهذا القول غريب، وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر، حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولهذا قال تعالى:


{ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) }


يقول تعالى: وإعلام { مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وتَقَدُّم وإنذار إلى الناس، { يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ } وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا (2) { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } أي: بريء منهم أيضا.


ثم دعاهم إلى التوبة إليه فقال: { فَإِنْ تُبْتُمْ } أي: مما أنتم فيه من الشرك والضلال { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي: استمررتم على ما أنتم عليه { فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ } بل هو قادر، وأنتم في قبضته، وتحت قهره ومشيئته، { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي: في الدنيا بالخزي والنَّكال، وفي الآخرة بالمقامع والأغلال.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني عَقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني حُمَيد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر، رضي الله عنه، في
__________
(1) في ت، ك: "إقبال"، وفي د: "فقدم".
(2) في د: "وأكبرها جميعا". /(4/103)


تلك الحَجَّة في المُؤذِّنين، بعثهم يوم (1) النحر، يُؤذِّنون بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف (2) بالبيت عريان. قال حميد: ثم أردف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يُؤَذِّن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذَّنَ معنا عليٌّ في أهل منى يوم النحر ببراءة وألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (3)


ورواه البخاري أيضا: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شُعَيب، عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يُؤذِّن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف (4) بالبيت عُريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل: "الأكبر"، من أجل قول الناس: "الحج الأصغر" ، فَنَبَذَ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك.
وهذا لفظ البخاري في كتاب "الجهاد" (5)
وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، في قوله: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين، اعتمر من الجِعِرَّانة، ثم أمرَ أبا بكر على تلك الحجة -قال معمر: قال الزهري: وكان أبو هريرة يحدِّث أن أبا بكر أمرَ أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر (6) قال أبو هريرة: ثم أتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليا، وأمره أن يؤذن ببراءة، وأبو بكر على الموسم كما هو، أو قال: على هيئته (7)
وهذا السياق فيه غرابة، من جهة أن أمير (8) الحج كان سنة عمرة الجِعرَّانة إنما هو عَتَّاب بن أسيد، فأما أبو بكر إنما كان أميرًا سنة تسع.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن الشعبي، عن مُحرِّر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع علي بن أبي طالب، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة "ببراءة"، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادي: ألا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله (9) -أو أمَدَه -إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك. قال: فكنت (10) أنادي حتى صَحل صوتي (11)
__________
(1) في ك: "بعثهم في يوم ".
(2) في ك، أ: "يطوفن".
(3) صحيح البخاري برقم (4655).
(4) في أ: "ولا يطوفن".
(5) صحيح البخاري برقم (3177).
(6) في أ: "في حجة أبي بكر بمكة".
(7) الذي في تفسير عبد الرزاق هو ما جاء في الصحيح ولعله رواه في المصنف.
(8) في ت: "أمر".
(9) في أ: "فأجله".
(10) في ت: "وكنت".
(11) المسند (2/299)./(4/104)


وقال الشعبي: حدثني مُحَرر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع ابن أبي طالب (1) رضي الله عنه، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي، فكان إذا صَحل ناديتُ. قلت: بأي شيء كنتم تنادون؟ قال: بأربع: لا يطوف (2) بالكعبة عريان، ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا مشرك.
رواه ابن جرير من غير ما وجه، عن الشعبي. ورواه شعبة، عن مغيرة، عن الشعبي، به إلا أنه قال: ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى أربعة أشهر. وذكر تمام الحديث (3) (4)
قال ابن جرير: وأخشى أن يكون وهما من بعض نقلته؛ لأن الأخبار متظاهرة في الأجل بخلافه (5)
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن سِماك، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ب"براءة" مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: "لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي". فبعث بها مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه (6)
ورواه الترمذي في التفسير، عن بندار، عن عفان وعبد الصمد، كلاهما عن حماد بن سلمة به (7) ثم قال: حسن غريب من حديث أنس، رضي الله عنه.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن سليمان -لُوَين (8) -حدثنا محمد بن جابر، عن سماك، عن حَنَش، عن علي، رضي الله عنه، قال: لما نزلت عشر آيات من "براءة" على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال (9) أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم". فلحقته بالجُحْفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، نزل في شيء؟ فقال: "لا ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك" (10)/هذا إسناد فيه ضعف.
وليس المراد أن أبا بكر، رضي الله عنه، رجع من فوره، بل بعد قضائه للمناسك التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء مبينا في الرواية الأخرى.
وقال عبد الله أيضا: حدثني أبو بكر، حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط بن نصر، عن سماك،
__________
(1) في ت، أ: "كنت مع علي".
(2) في أ: "لا يطف".
(3) في ت: "تمامه".
(4) تفسير الطبري (14/103 - 105).
(5) تفسير الطبري (14/105).
(6) المسند (3/283).
(7) سنن الترمذي برقم (3090).
(8) في ك: "ابن لوين".
(9) في ت: "فقلت".
(10) زوائد المسند (1/151).

(4/105)


عن حنش، عن علي، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه ب"براءة" قال: يا نبي الله، إني لست باللسن ولا بالخطيب، قال: "ما بُدُّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت". قال: فإن كان ولا بدَّ فسأذهب أنا. قال: "انطلق (1) فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك" . قال: ثم وضع يده على فيه (2)
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع -رجل من هَمْدان -: سألنا عليا: بأي شيء بعثت؟ يعني: يوم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة، قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده (3) إلى مدته، ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا.
ورواه الترمذي عن قلابة، عن سفيان بن عيينة، به (4) وقال: حسن صحيح.
كذا قال، ورواه شعبة، عن أبي إسحاق فقال: عن زيد بن يُثَيع (5) وهم فيه. ورواه الثوري، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابه، عن علي، رضي الله عنه.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت "براءة" بأربع: ألا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة (6)
ثم رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الأعلى، عن ابن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: أمرت بأربع. فذكره (7)
وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع قال: نزلت براءة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، ثم أرسل عليًا، فأخذها منه، فلما رجع أبو بكر قال: نزل (8) في شيء؟ قال: " لا ولكن أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي". فانطلق إلى أهل مكة، فقام فيهم بأربع: لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدته (9) (10)
__________
(1) في أ: "فانطلق".
(2) زوائد المسند (1/150) وفي إسناده أسباط بن نصر وحنش بن المعتمر متكلم فيهما.
(3) في د: "فعهدته".
(4) المسند (1/79) وسنن الترمذي برقم (3092).
(5) في أ: "أثيل".
(6) تفسير الطبري (14/106).
(7) تفسير الطبري (14/105).
(8) في ت: "هل نزل".
(9) في ك: "إلى مدته هنا".
(10) رواه الطبري في تفسيره (14/107) من طريق إسرائيل به. /(4/106)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب شرح السنة تأليف إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري،

شرح السنة للبربهاري شرح السنة للإمام البربهاري (329 هـ)     كتاب شرح السنة تأليف إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي بن خل...